flower:
بالرغم من الشخصية المرحة التي يتميز بها السمين عادة. الا ان البدناء اجمالاً يخجلون من مناقشة مشكلة بدانتهم والتبعات المترتبة عليها بشكل واضحٍ وصريح. ومن المؤكد بان البدين يخفي وراء مرحه معاناة عميقة. هذه المعاناة التي لا نستطيع تبينها ما لم نتوغل في الحديث مع هؤلاء المرضى. كما ان هنالك شعوراً بالاحباط يكاد يكون مشتركاً لدى كافة السمناء. ويتلخص هذا الشعور بان احداً لا ينير لهم الطريق نحو الشفاء الناجز من بدانتهم. فغالبية العلاجات ترتكز على الحمية الغذائية ولكن البدين عاجز في الواقع عن التقيد بهذه الحمية. وهو اذا ما فعل ذلك فهو يفعله لفترة محدودة ليعود من حيث بدأ وليعود له شعوره بالاحباط.
واذا كنا قد ادرجنا السمنة في عداد الاصابات النفسية فإن ذلك لا يعود فقط لارتباط السمنة بشخصية مميزة، سنشرحها لاحقاً، ولكن ايضاً لان السمنة تؤدي الى حالة من الاضطراب النفسي يتجلى بعدم الرضى عن الجسد واحتقار المريض لجسده. وها نحن نورد بعض الامثلة كما يفسرها بعض هؤلاء المرضى.
1 ــ بالرغم من بلوغي السابعة والعشرين من العمر فإني لم اقم لغاية الان اية علاقة عاطفية. ومرد ذلك الى شعوري بان الفتيات ينظرن اليَّ نظرات ملؤها السخرية او التندر على الاقل. وهذا بالطبع يحرج رجولتي.
2 ــ احس بأني مختلفة عن بقية الفتيات اذ يهيأ لي بان نظرات الرجال تجردني من ثيابي فاحس بنظراتهم الساخرة واللاذعة.
3 ــ لا استطيع ان امنع نفسي عن تناول الطعام. لذا فانا اترك العنان لشهيتي واعتبر اني افعل ما يفعله المدخن حين يستمر في التدخين بالرغم من علمه بانه مصاب بالسرطان.
ولن نطيل الشرح اكثر من ذلك لاننا سنناقش لاحقاً مختلف وجوه المشكلة. الا انه لا بد لنا من الاشارة الى الاخطار الحياتية للسمنة اذ تشير الدراسات الى الارتباط المباشر بين السمنة وبين قائمة طويلة من الامراض. هذا الارتباط الذي حدا بعض الباحثين الى القول بانه كلما ازداد وزن الشخص ازدادت احتمالات وفاته.
وبالنظر الى تشعب هذا الموضوع وتداخل اسبابه النفسية ــ الجسدية ــ الوراثية والبيئية الاجتماعية فقد كان من المستحيل علينا ان نقوم بتقديم الحلول الجاهزة لكافة الاشكال العيادية المنبثقة عن هذه الاسباب.
من هذا المنطلق هدفنا عرض شمولي لاسباب البدانة مركزين بشكل خاص على الجذور النفسية لهذا المرض. وفي النهاية الى عرض خطوات العلاج النفسي للبدانة بكافة انواعها ومنابعها. خلا حالات السمنة ذات المنشأ الذهاني.
وعلى هذا الاساس التوزيع على فصول ثلاثة هي:
1. ماهية السمنة،
2. أسباب السمنة ونظرياتها
3. العلاج النفسي للسمنة.
ولقد حاولنا ان نعرض للسمنة ولعلاجها من منطلقات حديثة لم يسبق لها ان نوقشت باللغة العربية. وعليه فاننا ان نكون قد ادينا دورنا في سد واحدة من ثغرات مكتبتنا العربية.
تمهيد
تفتقر نظرة مجتمعنا للسمنة الى الموضوعية. فهنالك قسم لا بأس به من الناس ممن لا يزالوا ينظرون للسمنة على انها دليل صحة وعافية. كما ان هنالك قسم آخر منهم ممن يودون التخلص من السمنة رغبة منهم في مسايرة المقاييس الجمالية الدارجة وليس درءاً لاخطار السمنة ولتاثيراتها السلبية. وهذا القسم من الناس المدفوع بحب التقليد يتبع في بعض الاحيان وسائل، للتخلص من السمنة، قد تكون اكثر خطراً على صحتهم من السمنة نفسها.
وقبل ان نتصدى للسمنة، من مختلف وجهات النظر طبية كانت أم نفسية، علينا ان توضح اولاً بان الجهود الحثيثة التي يبذلها الغرب للقضاء على السمنة هي جهود مرتكزة في اساسها على مجموعة من الابحاث العلمية الجادة. هذه الابحاث التي اثبتت بان السمنة هي مقدمة او دافع للاصابة بقائمة طويلة من الامراض التي تاتي امراض القلب في مقدمتها.
من هذه الابحاث نذكر الدراسة المعروفة بالــ B.B.P.S التي توصلت الى نتيجة مفادها وجود صلة مباشرة بين السمنة والموت. وبتعبير آخر فكلما زاد وزن الشخص ازدادت احتمالات وفاته. والعكس صحيح اذ كلما نقص الوزن كلما ضعفت احتمالات الوفاة. وهكذا توصلت هذه الدراسة الى نتيجة مفادها بان الوزن الملائم، للوصول باحتمال الوفاة الى حده الادنى، هو وزن اقل من الوزن المعروف بالمثالي بالنسبة لطول القامة. وبناء على الدراسة المشار لها اعلاه نشرت احدى شركات التأمين جداول جديدة تبين الاوزان الملائمة الجديدة وقد تم توزيع هذه الجداول على عيادات الاطباء وعلى المراكز الصحية. وذلك بهدف تعريف اوسع قطاع ممكن من المواطنين على هذه الاوزان التي تتيح لهم التمتع بحياة اطول وبصحة فضل.
نتيجة مشابهة توصلت لها دراسة فارمنغهام الشهيرة اذ اكدت بأن اعلى نسب للوفاة هي تلك التي سجلها الاشخاص الذين تفوق اوزانهم الاوزان العادية اي الاشخاص البدينين.
من خلال هذه الدراسات، وكثيرة وغيرها، نلاحط بان محاولات القضاء على السمنة لا تهدف الى مجاراة الموضة. ولكنها تهدف الى اطالة معدل الاعمار. وذلك عن طريق الاقلال من احتمالات تعرض السكان للامراض التي تهدد حياتهم. فالهدف من محاربة السمنة اذاً هو الاقلال من معدل الوفيات. ولو حاولنا القيام باستعراض موجز للعوامل المؤدية للسمنة والمؤثرة فيها لاستطعنا تبويبها في ثلاثة عوامل هي:
1 ــ عامل الجنس: من الملاحظ بان النساء بشكل خاص هن الاكثر تعرضاً للاصابة بالسمنة. ويرد الاطباء ذلك لاسباب هورمونية لا تزال غامضة في معظمها، كما يردوها الى اسباب نفسية سنعرضها لاحقاً.
2 ــ عامـل السـن: يلاحظ الباحثون ان نسبة السمنة ترتفع لدى فئات الاعمار التي تتعدى الثلاثين. وهذه الملاحظة تكرسها الجداول المحددة للاوزان. اذ نرى بان الوزن المثالي نفسه يزداد بازدياد العمر.
3 ــ عامل الغذاء: تلعب العادات الغذائية دوراً رئيسياً في احداث السمنة. ويرى علماء التغذية بان السمنة تزداد في المجتمعات التي تعتمد على السكريات كأساس لغذائها ومن ثم تليها المجتمعات المعتمدة على النشويات والدهون الغذائية على انواعها.
فالسمنة هي دليل اضطراب التوازن الغذائي وغياب، او شبه غياب، البروتين من هذا الغذاء. مما يؤدي الى عدم حصول الجسم على حاجاته الغذائية بشكل متناسق. وكلنا يعلم بان المطبخ الشرقي غني بالسكريات والنشويات. وهذا يفسر لنا اسباب ازدياد حالات السمنة في مجتمعاتنا وبالتالي ازدياد تعرض هذه المجتمعات للامراض المترتبة على السمنة. الامر الذي يقتضي التنبه لهذه الاخطار، وعيها ومكافحتها بغية رفع معدل الاعمار والاقلال من معدل الوفيات في مجتمعاتنا.
يتبع الفصل الاول
Spaces